تحل الذكرى الخامسة لرحيل الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحي في 16 يناير الجاري، وللحق فإنني لم أوفق في كسب صداقة الفنانة الكبيرة على الرغم من أنني حاورتها وأصغيت لها لأكثر من ساعات ثلاث، أعترف أنني كنت محاورا مشاغبا معها، وددت أن أعرف تفاصيل كثيرة تتكتمها عن حياتها الإجتماعية والعائلة التي كانت تعادي الفن؛ وكان المشروع المتفق عليه بيننا هو نشر مذكراتها في حلقات مسلسلة، وهو ما فشلت فيه عن جدارة بسبب رد فعلها الصامت تجاه كثير من محاور الإستفهام أطلقتها تجاهها، كل ما سبق لا ينفي تقديري لمسيرتها السخية والشجاعة كمنتجة محبة للفن في ظل ظروف إجتماعية قاسية صادفتها، الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحى، واسمها الحقيقي عفاف علي كامل، والتي دفعت الثمن غاليا بجفاء من العائلة التي نبتت فيها من أجل حبها للفن، لتقدم نفسها لأول مرة للسينما بفيلم مجهول يحمل عنوان "الناصح" للمخرج سيف الدين شوكت وبطولة فنان الكوميديا اسماعيل يس.
هي إحدى بنات الشاشة الأول في عصرها الذهبي حتى توقفها قبل رحيلها عن عمر ناهز 89 عاما، بعد اختفاء تام عن الحياة الفنية دام عقودا، في حين اقتصر ظهورها على المناسبات العائلية التي تخص أسرتها الصغيرة فقط، فقد غابت عن السينما لزمن امتد لأكثر من نصف قرن، تحديدا منذ أن قدمت فيلم "ونسيت أنى إمرأة"، مع المخرج الكبير عاطف سالم، كانت الفنانة الراحلة منافسة قوية لبنات جيلها "الفيديت" أمثال فاتن حمامة، نادية لطفي، مريم فخر الدين وسعاد حسني وأخريات، وقد تميزت في تجسيدها لأدوار الفتاة الأولى بآدائها الرومانسي الأقرب إلى الدلال، قبل أن تتجه إلى تقديم بعض القضايا الجادة مثل فيلمها السياسي النسائي "جميلة بوحريد" التي قدمت من خلاله قصة إمرأة تناهض الاستعمار لصالح وطنها الجزائر الشقيق، وهو الفعل الذي حقق صدى طيبا لدى الأوساط الفنية والسياسية، ونالت عنه تقديرا تستحقه، ولصالح وطنها قدمت من إنتاجها الفيلم الحربي "العمر لحظة" في دور صحفية تغطي أخبار جبهة القتال والشرف أثناء حرب أكتوبر المجيدة أمام الراحل أحمد مظهر، والطريف أن من نجحت في تجسيد شخصية الكاتبة الصحفية، هي نفسها التي جسدت شخصية الفتاة البسيطة بائعة الجرائد، وهي القروية البسيطة في فيلمها "النداهة"، وبنفس الدرجة من الاتقان والدهشة تنجح نجاحا ساحقا في عدد من الأفلام الدينية والتاريخية؛ وعودة إلى دورها في فيلم "هجرة الرسول" نتذكر جميعا شخصية "حبيبة" التي فقدت بصرها دفاعا عن عقيدتها، وكذلك شخصية "جميلة" في فيلم "انتصار الاسلام" و"هند" زوجة بلال أول مؤذن في الاسلام وهو من إنتاجها.
لقد تركت ماجدة الصباحي للمشاهد وللشاشة ولتاريخ الفن ما يكفي لتخليد إسمها في سجل الفن المصري، وسيظل من دواعي سروري أنني نقبت في مسيرتها الثرية في جلسة عمل امتدت لساعات في حضور ابنتها الفنانة غادة نافع، كما حكى لي الفنان إيهاب نافع زوجها السابق بامتنان الكثير مما أغدقت عليه به لتمهد أمامه الطريق.
-------------------------
بقلم: طاهـر البهـي